بمكننا اعتبار كتاب ابن رشد تهافت التهافت أحد الكتب المؤسسة للمذهب الإنساني في الإسلام؛ إذ تولى ابن رشد الدفاع عن الاختلاف الإنساني والتنوع الفكري، واعتبار أن الفلسفة والحكمة هي رصيد عالمي يلتقي فيه الجميع بغض النظر عن أفكارهم وآرائهم
وكان الغزالي قد كتب كتابه الشهير تهافت الفلاسفة حيث أقام الفلاسفة واحداً واحداً على معايير الشرع، وانتهى إلى الحكم بضلال عامتهم، وانحرافهم عن الصراط المستقيم، والدعوة إلى هجر معارفهم وعلومهم.
كانت رسالة ابن رشد مواجهة هذا الوعي الإقصائي، والدعوة إلى مساحة أكبر من الحرية في الاجتهاد والنظر وبالتالي الشراكة في بناء المجتمعات على أساس المساواة الإنسانية بغض النظر عن المواقف الاعتقادية، حيث انتصر ابن رشد للراي القائل بأن مذاهب الفلاسفة على احتلافها لا تعدو أن تكون تأويلاً مشروعاً لفهم الوجود والعدم والمعاد، وأنه لا يضير المحجتمعات وجود آراء متناقضة في الاعتقاد وهو الأمر الذي حاربه الغزالي بضراوة مؤسساً للدولة الثيوقراطية.
وهكذا فإنه يمكن اعتبار الإمام ابن رشد أحد أبرز الفلاسفة الإنسانيين في الإسلام، وقد ساعده الجمع بين الفقه والفلسفة على تقديم اجتهادات جديدة وجريئة في الإخاء الإنساني واحترام الذات الإنسانية.
ولعل أشهر أعماله في هذا السبيل هو كتابه تهافت التهافت، وهو كتاب إنساني كرسه للرد على التكفيريين الذين ذهبوا إلى تكفير الفلاسفة، وأكد ابن رشد ان الفلاسفة يقدمون رؤيتهم الإنسانية لتفسير العالم وهي رؤية تستحق التقدير والاحترام، وأن الفلاسفة وإن ظهر في منطقهم بعض ما لا يستقيم عند علماء الشريعة ولكنهم في المآل يقدمون فكراً حراً يليق بالإنسانية، ويجب احترامه وتقديره، وأن الإيمان يتسع لهذا اللون من الاختلاف مهما كان مفارقاً ومتبايناً، ويمكن اعتبار المقاصد الإنسانية سبيلاً جامعاً لكلك جهود الفلاسفة.
واختار دون تردد أن هذه المفاهيم التي انتهجها الفلاسفة هي محاولات للوصول إلى الله، وأن على العقيدة الإسلامية أن تتحلى بالمرونة والاتساع لقبول هذه الهوامش من الاختلافات العقائدية تأسيساً على أن الدين لله، وأن الخلق عباده، وأنه لا يليق بالكامل سبحانه أن يرسل النبوات والرسالات لتتناحر وتتنازع، ولا يمكن أن يكون الهدى محصوراً بفئة قليلة من الخلق وضعتهم المصادفات في المكان القريب وصار الآخرون محلاً لغضب الله وسخطه وكراهيته.