بقلم: انصاف ديب الزعيم
مقدمة:
قبل البدء اود أن اشكرك استاذي الكريم على توكيلي في كتابة دراسة لكتابك الممتع والقيم المذهب الانساني. والحقيقة انا اشعر بما حدث للشاعرة سعاد الصباح عندما القت قصيدة امام الشاعر الكبير نزار قباني وتلعثمت، فهزأ منها الشاعر نزار، فقالت قصيدتها المغناة الجميلة انا بسيطة وانت الخبير. وها انا اقول لك ما قالته قبل ان تقرأ دراستي المتواضعة. لكن أكثر ما دفعني لذلك هو عنوان الكتاب لكاتب محترم قرأته وسأقرأه مرة ثانية وثالثة، فنحن احوج لما ورد فيه في زمن التشرذم الديني والطائفي والسياسي، وقد انعكس ذلك على السلوك واخلاق المجتمع. هذا الكتاب بمجمله يوحد الانسان مع ذاته ومع اخيه الانسان في الكرة الارضية عامة وفي البلاد الاسلامية خاصة. تحية كبيرة لحضرتك مع احترامي اللامحدود.
العنوان: المذهب الانساني في الاسلام
في البداية قدم لنا الدكتور كتابه الذي يتضمن مقاربات في بناء الدولة والمجتمع بمعتقد المذهب الانساني، وفيه يكون الانسان هو محور الكتاب بما يضمن كرامته وحريته، واعتناق هذا المذهب يساهم في بناء الدولة والمجتمع. دعم مقدمته بنصوص ذكرت في الديانات السماوية، وجميعها كان الانسان هو جوهرها، واختص بذكر الدين الاسلامي، والقى الضوء على التناقض الذي ساد بين الفقه الاسلامي السائد وبين القيم الانسانية. وقد أسهب الكاتب في التوضيح من خلال تكرار الفكرة لتبيان الجوانب السلبية والايجابية في الفقه المتشدد وتفسير النصوص.
الكتب والمراجع التي استند اليها الكاتب
وذكر الكاتب مجموعة من الدراسات التي تحمل عناوين تحدث كتابها عن الانسان وحقوقه، مستندا في اغلب تلك الدراسات على مفكرين عرب ومفكرين غرب تناولوا اهتمام الاسلام بالجوانب الانسانية في التشريع والسلوك. ولابد هنا من ذكر اسماء الكتب التي ورد ذكرها في الكتاب لأهميتها. كتاب الشيخ محمد زهرة بعنوان المجتمع الانساني في ظل الاسلام، وايضا كتاب موسوعة حقوق الانسان في الاسلام للكاتبة خديجة النبراوي، وكتب غربية مثل كتاب الباحثة النرويجية ان ماري شميل بعنوان الاسلام في الانسانية والتي اعتنقت الاسلام، وكتاب بعنوان انسانية الاسلام للكاتب مارسيل بوازار، وكتب اخرى كثيرة ذكرها الكاتب وجميعها رصدت انسانية الاسلام في العقيدة والفقه والاخلاق ودعمت مفهوم الأنسنة لتكون أحد الاسس لبناء دولة ديمقراطية. والكاتب ألقى الضوء على أهم كتاب يتوافق مع فكرة الكاتب محمد حبش في كتابه المذهب الانساني، وهو كتاب الاسلام والنزعة الانسانية للكاتب صادق جلال العظم، والذي حدد دراسته في خمس نقاط رئيسية تدعم فكرة الدكتور محمد حبش.
النقاط الاساسية للمذهب الانساني كما عرضها الدكتور محمد حبش
انتقل الدكتور محمد حبش لكتاب يتمحور حول الانسان والقيم الانسانية والدعوة لمواجهة السلبيات التي تتناقض مع هذه القيم، وحددها في سبع نقاط، وانا هنا لابد من اعادة ذكرها لما لها من اهمية لدارس او باحث:
١ التعريف بمصطلح الانسانية وتطورها التاريخي
٢ التعريف بالاتجاهات الانسانية في الفقه الاسلامي
٣ الترويج لمحورية الانسان في التشريع والحكم
٤ تحديد القيم الانسانية المتفق عليها على مستوى الاسرة الانسانية
٥ الدعوة لاعتبار القيم الانسانية أحد مصادر التشريع
٦ الدعوة لمواجهة ظواهر الاسلاموفوبيا واتهام الاسلام بلا انسانية
٧ مراجعة كل الاحكام الدينية التي تناقض القيم الانسانية
القضايا الدينية التي دعا الكاتب الى مراجعتها
أيضا لابد من ذكرها كما وردت في الكتاب:
عقيدة الولاء والبراء وضرورة ربطها بالسياسة وليس بالدين
أحكام الجهاد وضرورة ربطها بالأمن الوطني وليس بالدين
عقيدة الجحيم وضرورة تحويلها الى نصوص أدب ومجاز
التمييز ضد المرأة وفرض قيود عليها في العمل والحياة
التمييز ضد المختلف دينيا
العقاب الجسدي وتحويله الى عقاب اصلاحي
مراجعة نقدية للكتاب:
هنا لم أجد سلبية مما ورد ادناه لذكرها، فقد اوفى الكاتب فكرته ومضمونها بشكل واف وغير ممل. وقد تناول الكاتب دراسة ما ذكر من اسس المذهب الانساني في فصول، الفصل الاول عن المصطلح والتأسيس للمذهب الانساني، بدأها بتوضيح المفهوم الانساني والإنسانية عند المفكرين العرب من سقراط وكانط الى عصر النهضة وصولا الى القيم الانسانية في القانون الدولي الحديث. وما اراده الكاتب هو نقلنا في مفهوم الانسان والإنسانية بالمعنى الفلسفي قبل ادخالها في اطارها الاسلامي. وكان من الممكن للكاتب ان يذكر الفلسفة ويقارنها بالمعنى الاسلامي والقيم الانسانية حتى لا نبتعد عن العنوان الرئيسي وهو المذهب الانساني في الاسلام.
الفصل الثاني بعنوان تأصيل المذهب الانساني في الاسلام، وركز الكاتب على نصوص قرآنية محورية في تكريم بني آدم والناس اجمعين بدون التمييز بين الاديان وشمولية الرحمة في الاسلام ورفض الاقصاء، مستندا على مصادر الشريعة في الاجماع، والعرف والاستحسان والاستصلاح. وركز على ان المذهب الانساني هو توجه سماوي، فالخلق عيال الله. وركز على فكرة المرونة في التشريع مع التأكيد على جوهر الانسان وكماله الفطري في الرؤى الاسلامية. واعتمد الكاتب على تصنيف المذاهب، وكان المذهب الاستنباطي هو الاقرب للمذهب الانساني الذي اراد تبنيه وجعله قاعدة لبناء الدولة والمجتمع، مع عدم اهمال باقي المذاهب، لكن بدون تقديم منهج لتحويل المقاصد الى احكام ضابطة عند تعارضها مع النص الظاهر.
واظهر الكاتب نقده الواضح للمذهب السلفي الذي يعتبر الانسان مخطئا منذ خروجه من الجنة وسقوطه الى الارض. وهنا اغفل الكاتب ذكر مذهب خامس في الاسلام هو المذهب الجعفري، فلم يذكر قيمة الانسان في هذا المذهب وهو جزء مهم من الاسلام وربما كان رافدا مهما للمذهب الانساني الذي يدعو اليه. وغفل ايضا مذاهب اخرى مثل الاباضية واليزيدية.
ثم انتقل الكاتب الى اهم التحديات التي تواجه قيام المذهب الانساني، وحددها في ثمانية بنود، منها ثقافة الكراهية، والولاء والبراء، والتمييز ضد غير المسلم، والجهاد في سبيل الله واعلاء كلمته، والتمييز ضد المرأة، وتحقير الدنيا، والاستبداد الذي هو ضد الانسان وما نتج عنه من مقاطعة الاسلام والدول الاسلامية عند الغرب. وكان الكاتب واضحا في رأيه من خلال نقده لهذه التحديات وكيفية معالجتها مدعوما بنصوص قرآنية، اهمها ان القرآن بدأ برب العالمين واختتم برب الناس، وليس رب الاسلام ولا اله الاسلام. ولم يخف الكاتب موقفه من السلفيين الجدد الدواعش، حتى لو تعرض للتكفير، لكنه قال كلمته الحرة، بإيمان ان الانسان حر والانسان اخ الانسان اينما كان على وجه الارض، وهو محور فكرة الكاتب وجوهر المذهب الانساني.
وانتقل الكاتب الى نقده لتمجيد الفتوحات دون النظر لما كانت عليه البلدان التي فُتحت، وقارن ذلك بالغرب وسبب تقدمهم، اذ يقفون على السلبيات التي مروا بها مما دفعهم لمراجعتها وتصحيح الاخطاء وبناء حضارتهم على اسس متينة، بينما الاسلام كان يظهر البلاد التي فُتحت بمظهر الجاهلية والتخلف والانسان البدائي، وهذا سبب عدم تقدمهم، بل اكتفوا بالجمود واخذ الاختراعات والابداعات من الغرب بحجة ان الغرب الكافر سخره الله لأجل الاسلام.
وتناول الكاتب برؤية تنويرية وضع المرأة، فهي مساوية للرجل في الحقوق والواجبات وفي تكريم الله لها وفي عقابها، واستشهد بمريم ام المسيح وام موسى عليهما السلام اذ ارتقى القرآن بهما الى مستوى النبوة. واضاف مساواتها بالعقاب كما ورد عن زوجة نوح وزوجة لوط انهما كانتا من الغابرين. واكد استهجانه لنظرة السلفيين بأن المرأة عورة وعليها الحجاب والنقاب ولزوم البيت. لكن الكاتب لم يعط رأيه في وجوب الحجاب او النقاب او العمل، وربما ورد ذلك في كتابه المرأة في الشريعة والحياة.
وفي النهاية، كان الفصل الاخير هو جوهر الكتاب، وقد ورد فيه كل ما اراد الكاتب دعمه في فكرة المذهب الانساني في الاسلام. الفصول الاربعة تشكل مرجعا للباحثين والدارسين، اما الفصل الاخير فيدعم فكرة الكتاب للقارئين.
الخاتمة
وهنا اود ان اعطي رأيي المتواضع امام كاتب له ابحاثه وكتبه الغنية بالفكر الانساني وله جمهوره المؤيد والمعارض، لكنهم يجتمعون على احترامه عند العامة والخاصة من المثقفين والدارسين. كتاب المذهب الانساني في الاسلام يصلح ان يعتنقه المسلمون وكافة الاديان السماوية. وانا ادعو الجميع لاعتناقه، فالمذهب الانساني هو جوهر الديانات جميعها، ولا يتعارض مع الطرق والطقوس التي يتبعها البشر للوصول الى مرضاة الله تعالى طالما هذا الكائن يحمل في قلبه المودة والرحمة لأخيه الانسان في هذا الكوكب. وكما ذكر الكاتب، نحن لسنا وحدنا نحن المسلمين في هذا الكوكب، الله هو الخالق وهو رحيم بخلقه، ونحن فقط علينا بالتسامح والغفران.
واستشهد الكاتب بدول اسلامية غير عربية تقدمت وتطورت بسبب تقديرها للإنسان اينما كان، ومنها استراليا وماليزيا واندونيسيا.
الكتاب جدير بقراءته لمن يحبون المطالعة، وجدير بأن يكون مرجعا مهما للدارسين والباحثين.
ملاحظة: ارجو المعذرة من الكاتب، ربما اهملت ذكر جوانب مهمة في الكتاب، وهذا غير مقصود، ربما غفلة او تكرار الفكرة في مواقع كثيرة من الكتاب.
بقلم انصاف ديب الزعيم