حوارات في إخاء الأديان في تايبيه
أكتب هذه المقالة من تايوان حيث نشارك في مبادرة مهمة للحوار مع أديان الشرق الأقصى، يقوم بها عدد من الباحثين، بهدف معرفة الجوانب العميقة من الصلة بين الإسلام وأديان الشرق الأقصى.
وأرجو أن لا أسقط في فخ الخبر الصحفي الذي يعتمد الإثارة فيما نقصد في مقالنا هذا إلى إثارة العميق من وعينا بالعلاقة بين أديان العالم والبناء على الإيجابي منها، وتأكيد إخاء الأديان وكرامة الإنسان.
كما أنني حريص أن أثير المقصود بفكرة الحوار، فليس التبشير الديني في غايات هذه المباردة ولا في معانيها، بل التواصل والتكامل ونشر المحبة، والفرح بتبادل المعرفة واعتبار الخلاف غنى وثراء وليس مشكلة وشقاقاً.
لقد مللنا من المجاملات الثقيلة التي نتبادلها في الشرق الأوسط، التي يشارك فيه قادة دينيون بفرح وانشراح، ويتصورون على المنصات بذكاء وعناية، ولكنهم بعد ذلك يغلفون هذه اللقاءات بألف تحفظ وتبرير، لحماية عقيدة الحق من عقائد الضلال، والإيمان من الكفر، وفي النهاية يضطر الزعماء الدينيون لاستخدام لسانين اثنين، واحد لمريديهم وآخر للراي العام، وهذا ما يرفع عن هذه الحوارات صفة الحوار الروحي والقلبي ويجعلها في النهاية حاجة سياسية ضرورية للمجتمع، في عالم تحكمه الديانات ويسيطر عليه الكهنة، حيث تمتلك الديانات الإبراهيمية الثلاثة منظومة صلبة من العقائد الصارمة، لا ترضى فيه اليهود ولا النصارى ولا المسلمون عن الآخر حتى يتبع ملتهم، ويبرز فيه المتطرفون بفكرة التكفير المقيتة التي تجعل الآخر المختلف محروماً من رحمة الله وجنته مهما عمل من الصالحات، فيما يذهب التطرف أبعد من ذلك فيعتبر الحوار كله حراماً فلا وجود لأديان أخرى على الإطلاق، حيث هناك دين واحد يقبله الله، ويلقي بالأديان الأخرى في الجحيم فيجعلها هباء منثوراً.
في الشرق الأقصى الأمر مختلف تماماً، فحين يلتقي أبناء الأديان فإنهم يذهبون إلى الغاية في التآخي والمحبة ولا يخطر ببال أحد منهم أن يفرض شروطه على الآخر، ولا يتصور ان كلامه مبني على زيف أو مجاملة، إذ لا يرى أي حاجة لمجاملات كهذه، فالأديان كلها مدارس حكمة ومعرفة ونور، وهي تتكامل وتتآخى ولا يوجد لديهم مفهوم إبادة الأديان، ولا يبدو هدف كهذا من مقاصدهم فهذا العالم يتسع للجميع، بل إنهم يقبلون بشكل شائع تعدد الأديان لدى الشخص الواحد، وبذلك يقطعون الحبل السري للتعصب، ويفهمون دون قلق إمكانية أن يكون للمرء دينان أوثلاثة من دون أن يواجه أي مشكلة.
كانت القلوب البيضاء في معابد تايوان تنتظر أن تشاهد كائنات حية قادمة من العالم الإسلامي، فقد كانت علاقتهم بالإسلام لا تتجاوز الميديا والأخبار الإعلامية، وقد منحهم الإعلام العالمي فرصة رؤية اللحية والدشداشة من داعش السورية وطالبان الأفغانية، وما رافق ذلك من الأهوال التي رآها الناس في كل مكان في العالم.
كانت الزيارة تشتمل على سلسلة زيارات للجامعات والمراكز الدينية في تايوان وكوريا، ومحاضرات في تايوان وكوريا الجنوبية، تحت عنوان القيم المشتركة، وسأخصص مقالي هذا للحديث عن الديانة الطاوية.